فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه قال: قال رجل ذو رأي منهم للعزيز إنك متى تركت هذا العبد، يعتذر إلى الناس، ويقص عليهم أمره، وامرأةٌ في بيتها لا تخرج إلى الناس عذروه وفضحوا أهلك. فأمر به فسجن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات، أما أول مرة فبالحبس، لما كان من همه بها. والثانية لقوله: اذكرني عند ربك، فلبث في السجن بضع سنين، عوقب بطول الحبس. والثالثة حيث قال: {أيتها العير إنكم لسارقون} فاستقبل في وجهه: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {ليسجننه حتى حين} قال: سبع سنين.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والخطيب في تاريخه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه، عن أبيه قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلًا يقرأ هذا الحرف: {ليسجننه حتى حين} فقال له عمر رضي الله عنه: من أقرأك هذا الحرف؟ قال: ابن مسعود رضي الله عنه. فقال عمر رضي الله عنه: {ليسجننه حتى حين} ثم كتب إلى ابن مسعود رضي الله عنه: سلام عليك، أما بعد.
فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآنًا عربيًا مبينًا، وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل.
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ودخل معه السجن فتيان} قال أحدهما خازن الملك على طعامه، والآخر ساقيه على شرابه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحق رضي الله عنه قال: في قوله: {ودخل معه السجن فتيان} قال: غلامان كانا للملك الأكبر الريان بن الوليد، كان أحدهما على شرابه والآخر على بعض أمره في سخطة سخطها عليهما، اسم أحدهما مجلب، والآخر نبوا الذي كان على الشراب. فلما رأياه قالا: يا فتى، والله لقد أحببناك حين رأيناك، قال ابن إسحق: فحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه، أن يوسف عليه الصلاة والسلام قال لهما حين قالا له ذلك: أنشدكما بالله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء. قد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي فدخل علي بمحبتها إياي بلاء. فلا تحباني بارك الله فيكما، فأبيا إلا حبه وألفه حيث كان، وجعل يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين ادخلا السجن رؤيا، فرأى مجلب أنه رأى فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه، ورأى نبوا أنه يعصر خمرًا، فاستفتياه فيها وقالا له: {نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} إن فعلت فقال لهما: {لا يأتيكما طعام ترزقانه} يقول في نومكما: {إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام فقال: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} أي خير أن تعبدوا، إلهًا واحدًا أم آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئًا؟.... ثم قال لمجلب: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبوا أما أنت، فترد على عملك ويرضى عنك صاحبك،: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}.
وأخرج وكيع في الغرر، عن عمرو بن دينار قال: قال يوسف عليه السلام: ما لقي أحد في الحب ما لقيت، أحبني أبي فألقيت في الجب، وأحبتني امرأة العزيز، فألقيت في السجن.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إني أراني أعصر خمرًا} قال عنبًا.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ وابن مردويه، من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قرأ {اني أراني أعصر عنبًا} وقال: والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {اني أراني أعصر خمرًا} يقول: أعصر عنبًا، وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرًا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه: {نبئنا بتأويله} قال: عبارته.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إني أراني أعصر خمرًا} قال: هو بلغة عمان. وفي قوله: {إنا نراك من المحسنين} قال: كان احسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم، ورأوا منه عبادة واجتهادًا فأحبوه به، وقال لما انتهى يوسف عليه السلام إلى السجن، وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، وطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا، اصبروا تؤجروا، إن لهذا أجرًا، إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك. ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، وأحسن خلقك!... لقد بورك لنا في جوارك، إنا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة، فمن أنت يا فتى؟!!!... قال: أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحق ابن خليل الله إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام، وكانت عليه محبة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخليت سبيلك، ولكن سأحسن جوارك، وأحسن آثارك، فكن في أي بيوت السجن شئت.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا يوسف عليه السلام لأهل السجن فقال: «اللهم لا تعم عليهم الأخبار، وهون عليهم مر الأيام». وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان، عن الضحاك رضي الله عنه؛ أنه سئل عن قوله: {إنا نراك من المحسنين} ما كان إحسان يوسف عليه السلام؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له، وإذا احتاج جمع له. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا}: في فاعله أربعة أوجه، أحسنها: أنه ضمير يعود على السَّجن بفتح السين أي: ظهر لهم حَبْسُه، ويدل على ذلك لفظة {السِّجن} في قراءة العامة، وهو بطريق اللازم، ولفظُ {السَّجن} في قراءة مَنْ فتح السين. والثاني: أن الفاعل ضمير المصدر المفهوم مِنْ الفعل وهو {بدا} أي: بَدا لهم بداءٌ، وقد صَرَّح الشاعرُ به في قوله:
................ ** بَدا لك في تلك القَلوص بداءُ

والثالث: أن الفاعلَ مضمرٌ يدلُّ عليه السياق، أي: بدا لهم رأيٌ. والرابع: أنَّ نفسَ الجملة مِنْ: {لَيَسْجُنُنَّه} هي الفاعل، وهذا من أصول الكوفيين.
و{حتى} غايةٌ لما قبله. وقوله: {لَيَسْجُنُنَّه} على قول الجمهور جوابٌ لقسم محذوف، وذلك القسمُ وجوابه معمول لقولٍ مضمر، وذلك القولُ المضمر في محلِّ نصب على الحال، أي: ظهر لهم كذا قائلين: واللَّه لَيَسْجُنُنَّه حتى حين.
وقرأ الحسن: {لَتَسْجُنُنَّه} بتاء الخطاب، وفيه تأويلان، أحدهما: أن يكونَ خاطب بعضُهم بعضًا بذلك. والثاني: أن يكونَ خوطب به العزيز تعظيمًا له.
وقرأ ابن مسعود: {عتى} بإبدال حاء: {حتى} عينًا وأقرأ بها غيرَه فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فكتب إليه: إن هذا القرآن نزل بلغة قريش، فَأَقرئ الناسَ بلغتهم. قلت: وإبدال الحاء عينًا لغة هُذَليَّة. {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} قوله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا}: مستأنف لا محل له، ولا يجوز أن يكونَ حالًا؛ لأنهما لم يقولا ذلك حال الدخول. ولا جائز أن تكونَ مقدرةً؛ لأن الدخول لا يَؤُول إلى الرؤيا. و: {إني} وما في حَيِّزه في محلِّ نصب بالقول.
و{أراني} هنا متعديةٌ لمفعولين عند بعضِهم إجراءً للحُلُميَّة مجرى العِلْمِيَّة، فتكون الجملة مِنْ قوله: {أَعْصِرُ} في محلّ المفعول الثاني، ومَنْ منع كانت عنده في محل الحال. وجرت الحُلُمية مَجْرى العِلْمية أيضًا في اتِّحاد فاعلها ومفعولِها ضميرين متصلين، ومنه الآيةُ الكريمة؛ فإن الفاعلَ والمفعولَ متحدان في المعنى؛ إذ هما للمتكلم، وهما ضميران متصلان. ومثلُه: رَأَيْتُك في المنام قائمًا وزيدٌ رآه قائمًا، ولا يجوز ذلك في غير ما ذُكر، لا تقول: أَكْرَمْتُني، ولا أكرمْتُك، ولا زيد أكرمه، فإن أردت ذلك قل: أكرمتُ نفسي، أو إياي ونفسك، أو إياك ونفسَه، أو إياه، وقد تقدَّم تحقيق هذا.
وإذا دَخَلَتْ همزةُ النقل على هذه الحُلُمِيَّة تعدَّت لثالث، وقد تقدَّم هذا في قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} [الأنفال: 43]، ولو أراكهم كثيرًا.
والخَمْر: العِنَب أُطلق عليه ذلك مجازًا، لأنه آيل إليه كما يُطْلق الشيءُ على الشيء باعتبار ما كان عليه كقوله: {وَآتُواْ اليتامى} [النساء: 2] ومجازُ هذا أقربُ: وقيل: بل الخمر: العنب حقيقة في لغة غسان وأزد عمان. وعن المعتمر: لقيت أعرابيًا حاملًا عنبًا في وعاءٍ فقلت: ما تحمل؟ فقال: خمرًا. وقراءة أُبَيّ وعبد اللَّه: {أَعْصِر عنبًا} لا تدل على الترادف لإِرادتها التفسيرَ لا التلاوة، وهذا كما في مصحف عبد اللَّه: {فوق رأسي ثريدًا} فإنه أراد التفسير فقط.
و{تأكل الطير} صفةٌ لخبزًا. و: {فوق} يجوز أن يكون ظرفًا للحمل، وأن يتعلق بمحذوف حالًا من: {خبزًا} لأنه في الأصل صفةٌ له. والضمير في قوله: {نَبِّئْنا بتأويله} قال الشيخ: عائدٌ على ما قَصَّا عليه، أُجري مُجْرى اسم الإِشارة كأنه قيل بتأويل ذلك وهذا قد سبقه إليه الزمخشري، وجعله سؤالًا وجوابًا. وقال غيره: إنما وَحَّد الضمير لأنَّ كل واحد سأل عن رؤياه، فكأن كل واحد منهما قال: نَبِّئْنا بتأويل ما رأيت. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
لمَّا سجَنَ يوسفَ عليه السلام مع ظهور براءة ساحته اتقاءً على امرأته أن يُهتَكَ سترُها حوَّل اللَّهُ مُلْكه إليه، ثم في آخر الأمر حَكَمَ اللَّهُ بأن صارت امرأتَه بعد مقاساتها الضُّر... وهذا جزاء مَنْ صَبَرَ.
ويقال لمَّا ظُلِمَ يوسفُ عليه السلام بما نُسِبَ إليه أنطق الله تلك المرأة حتى قالت في آخر أمرها بما كان فيه هنك سترها، فقالت: {الآن حَصْحصَ الحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُهُ عَن نَفْسِهِ} [يوسف: 51].
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}
لصحبة السجن أثرٌ يظهر ولو بعد حين؛ فإنَّ يوسف عليه السلام لمَّا قال لصاحبه اذكرني عند ربك فأنساه الشيطانُ ذكر ربِّه فبقي يوسف في السجن زمانًا، ثم إن خلاصه كان على لسانه حيث قال: فأَرْسِلوا إلى يوسف وقيل له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِيقُ أَفِتْنَا} الآية [يوسف: 46] فالصحبة تُعْطى بَرَكاتِها وإن كانت تُبْطِي.
قوله: {إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ}: الشهادة بالإحسان ذريعةٌ، بها يَتَوسُّلُ إلى استجلاب إحسانه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: لما أخرجوا يوسف القلب من جب الطبيعة ذهبوا به إلى مصر الشريعة فاشتراه عزيز مصرها وهو الدليل المربي على جادة الطريقة ليوصله إلى عالم الحقيقة. {فقال لامرأته} وهي الدنيا: {أكرمي مثواه} اخدميه بقدر الحاجة الضرورية: {عسى أن ينفعنا} حتى يكون صاحب الشريعة فيتصرف في الدنيا باكسير النبوة فتصير الشريعة حقيقة والدنيا آخرة: {أو نتخذه ولدًا} نربيه بلبان ثدي الشريعة والطريقة إلى أن يرى الفطام عن الدنيا الدنية: {وكذلك مكنا} يشير إلى أن تمكين يوسف القلب في أرض البشرية إنما هو لتعلم العلم اللدني، لأن الثمرة إنما تظهر على الشجرة إذا كان أصل الشجرة راسخًا في الأرض: {والله غالب على} أمر القلب في توجيهه إلى محبة الله وطلبه، أو على أمر القالب بجذبات العناية وإقامته على الصراط المستقيم فتكون تصرفاته بالله ولله وفي الله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أنهم خلقوا مستعدّين لهذا الكمال: {وكذلك نجزي المحسنين} أي كما أفضنا على القلب ما هو مستحقه من الحكمة والعلم كذلك نجزي الأعضاء الرئيسية والجوارح إذا أحسنوا الأعمال والأخلاق على قاعدة الشريعة والطريقة خير الجزاء، وهو التبليغ إلى مقام الحقيقة. {وراودته} فيه إشارة إلى أن يوسف القلب وإن استغرق في بحر صفات الألوهية لا ينقطع عنه تصرفات زليخا الدنيا ما دام هو في بيتها أي في الجسد الدنياوي: {وغلقت} أبواب أركان الشريعة: {وقالت هيت لك} أقبل إلى وأعرض عن الحق: {قال} أي القلب الفاني عن نفسه الباقي ببقاء ربه: {معاذ الله} عما سواه. {أحسن مثواي} في عالم الحقيقة: {إنه لا يفلح الظالمون} الذين يقبلون على الدنيا ويعرضون عن المولى: {وهمّ بها} فوق الحاجة الضرورية: {لولا أن رأى برهان ربه} وهو نور خصلة القناعة التي هي من نتائج نظر العناية: {لنصرف عنه السوء} الحرص على الدنيا: {والفحشاء} بصرف حب الدنيا فيه: {إنه من عبادنا المخلصين} الذي خلصوا من سجن الوجود المجازي ووصلوا إلى الوجود الحقيقي. {واستبقا} باب الموت الاختياري: {وقدت} قميص بشريته: {من دبر} بيد شهواتها قبل خروجه من الباب: {وألفيا سيدها} وهو صاحب ولاية تربية يوسف القلب وزوج زليخا الدنيا لأنه يتصرف في الدنيا كما ينبغي تصرف الرجل في المرأة: {وشهد شاهد من أهلها} هو حاكم العقل الغريزي دون العقل المجرد الذي هو ليس من الدنيا وأهلها في شيء، فبين حاكم العقل أن يد تصرف زليخا الدنيا لا تصل إلى يوسف القلب إلا بواسطة قميص بشريته: {إن كيدكن عظيم} وهو قطع طريق الوصول إلى الله لعظيم على القلب السليم. {يوسف أعرض عن هذا} فإن ذكر الدنيا يورث محبتها وحب الدنيا رأس كل خطيئة.
{وقال نسوة} هي الصفات البشرية من البهيمية والسبعية والشيطانية في مدينة الجسد: {تراود فتاها} لأن الرب إذا تجلى للعبد خضع له كل شيء يا دنيا اخدمي من خدمني: {واعتدت لهن متكئًا} أطعمة مناسبة لكل منها: {وآتت كل واحد منهن سكينًا} هو سكين الذكر: {وقالت اخرج عليهن} إشارة إلى غلبات أحوال القلب على الصفات البشرية: {وقطعن أيديهن} بالذكر عما سوى الله. {ثم بدا لهم} أي ظهر لمربي القلب بلبان الشريعة وهو شيخ الطريقة ومن يراعي صلاح حال القلب: {من بعد ما رأوا} آثار عناية الله وعصمة القلب من الالتفات إلى ما سواه: {ليسجننه} في سجن الشرع إلى حين قطع تعلقه عن الجسد بالموت نظيره: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] وإذا كان النبي مع نهاية كماله مأمورًا بأن يكون مسجونًا في هذا السجن فكيف بمن دونه والله أعلم. اهـ.